أن تقتل طائرا بريئا ! أن تقتل طائرا محاكيا ! لا تقتل عصفورا ساخرا to kill a mockingbird ....ـ أثناء قراءتي لكل سطر فى الرواية كنت أردد عنوان الكتاب فى ذهني .. ماذا تقصد الكاتبة ؟ ما المغزى ؟! .. طائرٌ برئ لا يؤذينا ، بل يُضفى لحياتنا شيئا من البهجة و الجمال لِــمَ نقتله؟!ـ

شعرت بأن الكاتبة تجعل من هذا الطائر البرئ المقتول ظلما و عدوانا هو رمز لأكثر من شخصية " عصفورية بريئة " قتلها مجتمعها بأساليب شتى ..! "توم روبنسون " طائرٌ برئ يقتلونه للونه الأسود - بعنصرية فجة - الذي لا يد له فيه !ـ
المسكين "بو رادلى" كالطائر المحاكي يغرد وحيدا فى منزله لا ينعق ، و لا يسبب الضوضاء لمن حوله ، بل فى لحظات حرجة يطير من قفصه الإختياري لينقذ طفليْن من براثن قاتل موتور ، و لكن بالرغم من ذلك يحاولون قتل براءته بسبب وحدته الاختيارية بنشر شائعات حوله و تشويه فى الخيال ..!ـ
حتى المحامي "أتيكوس" - الذى أراه بطل الرواية و الذي هو واحد من العنصر الأقوى مجتمعيا 'البيض' - حاولوا قتل هذا العصفور الذى يغرد ضد العصبية و العنصرية ساخرين منه لأنه يدافع عن السود ! أي سفه فى مجتمعات بني الإنسان!ـ
ألأجل هذا نقتل طائرًا بريئًا ؟!ـصورة المجتمع فى رواية "هاربرلي" هى صورة تتكرر فى كل يوم: ظلمة معتدون " كآل وويل " يقتلون و يسخرون من كل عصفور برئ ، و طيور بريئة مظلومة " كتوم روبنسون " ، و مدافعون عن الحق يقفون فى وجه الطغاة و العادات المجتمعية الظالمة " كالمحامي أتيكوس " ، و قوم متفرجون لا همّ لهم إلا السخرية من المصلحين و لمزَهم على دفاعهم عن الحق! " كأولئك الذين سخروا من المحامي أتيكوس لدفاعه عن أسود ، رغم أنهم هم أنفسهم يصفون هتلر بالنازية ، أى تناقضٍ و تيه يعيش فيه هؤلاء! " ، و بذراتُ خيرٍ فى المجتمع ترى من خلالها بصيصَ أمل " كالطفلة سكوت " ... مجتمعٌ تراه دائما أمامك - بل قد تكون انت جزء منه و لا تشعر! - فيه صراع قائم إلى يوم القيامة بين الخير و الشر.
هل هذا الطائر البرئ تم قتله فى رواية هاربرلي فقط ، فى عصر العنصرية ضد السود فقط ؟!ـ لا ، ما زلنا نعاني من قتل الطيور المحاكية البيرئة ، نقتلها و نحن نرقص فوقها ساخرين! .. إن كانت اختفت العنصرية ضد السود فى أمريكا فقد طفت على السطح مكانها عنصرية ضد العرب و المسلمين .. فى مجتمعاتنا العربية نعاني من عنصرية بسبب القبيلة و غيرها من دعاوي الجاهلية .. طيور بريئة تُقتل فى حروب ليس لهه فيها ناقة و لا جمل ! احتلوا فلسطين و قتلوا طيورها البريئة لأنها أرض الميعاد لشعب الله المختار " أي سخرية هذه من القاتل و هو يسلخ ضحيته البريئة ! "
فى العراق بسبب حرب كاذبة أبادوا مئات الآف من الأطفال كالعصافير فى سن الزهور ثم عادوا يعتذرون " فى سخرية لاذعة " : عذرا على قتل الأطفال و النساء و الشيوخ و كل الطيور البريئة فقد اكتشفنا أن الإنذار كاذب " و ما ذنب الطيور أيها المجرمون ؟! "
فى ثوراتنا العربية ، قتل الممجرمون الراحلون و الباقون إلى الآن مئات الآلف من الطيور البريئة - من بنى وطنهم و جلدتهم - بالرغم أن هناك كلاباً تعوى حولهم و ذئاب تغدر بهم و غربان تنعق قى الجو حولهم لم يلقوا عليها حتى و لو حجر! يقتلون الأطفال فى أوطانهم و يريقوا دمائهم البريئة ثم يقفون ساخرين قائلين: قد فهمتكم - فاتكم القطار - قد تندمون يوم لا ينفع الندم ، من أنتم من أنتم ؟! - لقد عشت وسطكم و أريد أن أموت على هذه الأرض ! ... تباً لكم من كاذبين و قتلة مصير أولكم كآخركم !ـ
بل أجزم أن كل يوم و فى ظلال اليوم يُقتل طائراً بريئا ؛ لأسباب أغلبها لهو و لعب و سخرية ! ما ذنبه لتقتله ، دعه يعيش ! و هل بقتلك إياه ستشعر بالإنتصار ، كلا والله ، بل أنت تعيش فى شقاء طوال الزمان " بوب يوويل رغم مقتل توم روبنسون و انتصاره الوهمي الظالم فى محكمة البشر لم يشعر بأنه منتصر بل ظل يحد سكينه – سكين الكراهية و البغص – إلى أن قُتل بها ! " .. اتركوا البراءة تحيا بيينا بسلام ، لا تقتلوها لتحيوا أنتم !ـ
لكن هل هناك أمل ؟!ـنعم، لم تتركنا هاربرلي لليأس يأكلنا و يحطمنا .. بل بثت فينا بعض الأمل بأطفال كـ " سكوت و جيم " تبغض فطرتهم السليمة هذا القتل بجرم "البراءة" ، بل جعلت الطفلة سكوت هى راوية قصتها و أى دلالة تشعر بها هنا من أمل و براءة و نور تهز أركان الرواية من أولها لآخرها .. الأمل فى الأجيال القادمة أكبر! الأمل فى بعض النفوس الطاهرة التى لم تتلوث بالكره و البغضاء التى تملأ المجتمعات .. دائما هناك ستجد من يدافع عن الطيور البريئة و يقف فى صفها فى وجه الطغاة من بني البشر! هؤلاء هم هداة البشر فى ظلماء هذه الدنيا .. إن خير كلمة تقولها هى كلمة الحق فى وجه سلطان جائر أو فى وجه قاتلِ طيورٍ بريئة ساخراً !
المشاعر حول هذه الرواية لا تنتهي و أظن أنني سأعود إليها كثيرا !
قرأته هنا فى صالون الجمعة : http://www.goodreads.com/group/show/69263 شكرا شباب الصالون :)
====
لماذا سقطت نجمة من سماء هذا العمل الراقي؟حسناً ، الرواية رائعة جدا لكن بغضتُ شيئاً فيها – قد تختلف فيه معي كثيرا أو تتفق – هو أن دور المظلوم البرئ " السود " فى الرواية مُهمش ، بمعني أني أحببت أن تكون الرواية محورها حول أبطال المظلومين ، فبالتأكيد أن ثورات أولئك المظلومين و ثوارهم الأبطال هم من لهم أكبر الاثر فى تغيير خريطة المجتمع الأمريكي و ليس هو المحامي " الأبيض " أتيكوس .. بل و من سخرية الأمر أنه عند قتل " توم روبنسون " لم يثر أولئك المظلومين و لم يصرخوا .. لا ، هذا لم يحدث ، بل صرخ السود و خرج منهم أبطالا و ثوارا عظاما كمارتن لوثر كينج و كونتى كنتي و مالكوم اكس و غيرهم غيروا وجه أمريكا الأبيض ليتقبل ألواناً أخرى !