لا أعرف كيف أصف هذه الرواية ..! حبستني الكاتبة في حجرة صغيرة ، و لم تغير هذا المكان إلى نهاية الرواية .. فقط تتنقل بي فى الزمن و بين الأفكار و أنا مُحاط بعجوز حاصل على جائزة نوبل فى الأدب و هو فى الأصل مريض نفسي " سايكو " ( لا أجد له إلا هذا الوصف ) يرقد على فراش الموت ، و يأتيه بين الحين و الآخر صحفي يتحاور معه .. و من خلال الحوار - الذي استخدمته الكاتبة طوال الرواية - تشعر كأنك فى مشهد درامي لمريضيْن نفسيين و فى نفس الوقت يقومان بدور الطبيب النفسي .. كلا منهما يحاول أن يخرج للآخر صفاته و يحلل له شخصيته و يبرز له أمراضه و التى هي فى الأساس أمراض بني آدم !
الفصل الأخير من الرواية حبسني إلى أن أنهيت الرواية .. هو أطول فصل و أكثر الفصول إثارة .. بين هذا العجوز المريض المهووس و بين صحفية شابة استطاعت أن تسبر أغواره أكثر من أي صحفي "ذكر" سبقها - العجب أنه يكره النساء و ينظر لهن نظرة ازدراء - بل أجبرته فى النهاية إلى ان يزحف لها لأنها هزمته فى هذا الحوار النفسي المنهك!
العجوز له افكار جاهلية عجيبة .. قتل محبوبته خنقا أو إن صح التعبير " وأدها " ..!! صاحبنا كان يعيش في وهم عجيب ، و كان قد أخذ العهد على محبوبته أن يظلا طفلين - نعم طفلين - و إن لاحت علامات البلوغ على أحدهما فعلى الآخر أن يقتله .. و هذا ما كان ، قتل محبوبته فى سن الشباب لأنها أخلت العهد - بالرغم أنه لا يد لها فى ذلك - !
و بعد بلوغه من العمر عتيا - 83 عاما - و هو على فراش الموت ، تأتي صحفية شابة كانت قد درست هذا الكاتب جيدا لتكشف خيوط هذه الجريمة التي ارتُكبت زورا باسم الحب !! بل و لتجعل هذا القاتل " النظيف " " الصوفي " يشعر بنفس الويلات التى شعرت بها محبوبته عندما خنقها بيديه !!
نهاية الرواية صادمة جدا و درماتيكية بشكل غير مسبوق .. فالصحفية مع كشفها لجنون هذا المريض تجد نفسها تلقائيا تسير على نفس دربه .. تخنقه - بعد إلحاحه و قيامه أيضا بدور الطبيب النفسي كالمعتاد - و يموت و هي تشعر بالراحة و النشوة بل تجزم بأنها لو لم تفعل لأصابها مس من الجنون !!
الرواية جولة سريعة بالزمان مع ثبوت المكان و بتغير مستمر للأفكار يجعلك تنتقل بين السطور مذهولا مدهوشا : ماذا سيحمل لي السطر القادم من مفاجأة ؟!
الرواية بالطبع متخيلة أو إن كانت حقيقية فهي منقولة من عالم المجانين و المرضى النفسيين الذين يبررون أفعالهم الإجرامية بأنها أمور روحانية و صوفية لا يفهمها البشر العاديون ! ... لكن نحن نعيش فى عصر مجنون ، و يعيش بيننا أمثال هؤلاء المرضى النفسيين - سواء تغيرت مهنتهم أو أسلوب إزهاقهم لأرواح الآخرين - بأسلوب يدعي أنه " نظيف " و " مريح للضحية " بل يدعي أن ضحيته كانت تبتسم و هو يسلخها ! ستري هذا المجنون فى حكام اليوم الذين يزهقون أرواح شعوبهم و فى النهاية و فى الخاتمة و هم على شفا الموت أو على شفا " الخلع " منهم من يقول : قد فهمتكم ! أو آخر يقول : لم أكن طالب سلطة بل تفانيت فى خدمتكم .... لا فرق بين كاتب فى رواية تخيلية و بين حكام و غيرهم فى رواية يعيشها الناس !
===
لا أعرف إن كنت قد انجرفت بعيدا بالرواية لكن هذا ما شعرت به و هذا ما ورد لي حين انتهيت منها :)